هذه المرة، سأعرض كتاباتي التحليلية عن شعر الشاعر الجبار نزار قباني. درست شعر قباني بالتفصيل هنا في يجامعة فرجنية، و لكن سمعت عن شعره الثوري لأول مرة عندما زرت والدي في الصين. فوجئت عندما عرفت أن خدم قباني في نفس السفارة ألذي والدي كان يقيدها. أصبح قباني نائب السفير في الصين في زمن الوحده بين مصر وسوريا. حين زرت السفارة التي خدم قباني فيها، شعرت بوجوده عندما لقد وجدت أحد من دواوين شعره على رف من رفوف مكتبة والدي. أتذكر بالتحديد عندما فتح والدي دوان قباني و قال لي أن كاتب هذا الشعر يرمز مشاعر جيله الثوري في الستينات. عندما تعرفت عن شعر قباني كتن أتبع أفقار و إيديولوجيات ماركس و لينين و تشي غيفارا. أعجبتني فكرت وجود شاعر ثوري مثلهم في الثقافة العربية فبدأت قراءة شعر قباني.
يعجبني أسلوب شعر قباني البسيط و المثير الذي يعبر و ينقد الحال الواقعي في العالم العربي. إذن لقد قررت أن أنشر كتاباتي التي تعبر عن رأيي و تعليقي نحو شعر قباني. في سلسلة كتاباتي تالية سأعرض قصائد قباني، ثم سأقوم بتحليل كل قصيدة من وجهة نظري.
أتمنى أن تستمتعوا بقرأة أفقاري.
إلى أطفال الحجارة
بهروا الدنيا..
وما في يدهم إلا الحجاره..
وأضاؤوا كالقناديلِ، وجاؤوا كالبشاره
قاوموا.. وانفجروا.. واستشهدوا..
وبقينا دبباً قطبيةً
صُفِّحت أجسادُها ضدَّ الحراره..
قاتَلوا عنّا إلى أن قُتلوا..
وجلسنا في مقاهينا.. كبصَّاق المحارة
واحدٌ يبحثُ منّا عن تجارة..
واحدٌ.. يطلبُ ملياراً جديداً..
وزواجاً رابعاً..
ونهوداً صقلتهنَّ الحضارة..
واحدٌ.. يبحثُ في لندنَ عن قصرٍ منيفٍ
واحدٌ.. يعملُ سمسارَ سلاح..
واحدٌ.. يطلبُ في الباراتِ ثاره..
واحدٌ.. بيحثُ عن عرشٍ وجيشٍ وإمارة..
آهِ.. يا جيلَ الخياناتِ..
ويا جيلَ العمولات..
ويا جيلَ النفاياتِ
ويا جيلَ الدعارة..
سوفَ يجتاحُكَ –مهما أبطأَ التاريخُ-
أطفالُ الحجاره..
تحليلي عن قصيدة أطفال الحجارة
النضال الفلسطيني له أهمية أساسية في الشعر والنثر العربي. منذ إحتلال فلسطين، عبر الكتاب كثير عن الشعور المؤلمة التي تحملتها الشعوب العربية. في قصيدة "إلى أطفال الحجارة"، يسخر قباني من الأجيال الماضية وكيف فشلوا أن يخدموا وطنهم. يشير قباني إلى أطفال الحجارة كمثال إيجابي. يرمز هؤلاء الأطفال إلى النقاء والسلامة. ولكن من ناحية أخرى، يتهم قباني الرجال العرب بأنهم سبب فشل وهزيمة الوطن العربي. يقسم قباني القصيدة إلى ثلاثة أقسام. أولا، يسخر قباني من سلبية الرجال العرب. ثانيا، يشيد الكاتب شجاعة أطفال الحجارة وكيف هم الأمل الوحيد لانتصار الفلسطينيين علي العدوان الإسرائيلي. ثالثا يناقش الشاعر الدروس التي يجب علينا أن نتعلمها من أطفال الحجارة.
عندما ينتقد قباني الرجال العرب، يصور الأجيال الماضية بصور فاضحة، ويصفهم كجيل الخيانات، وجيل العمولات، وجيل النفايات، وجيل الدعارة. يحرج الشاعر الرجال العرب بسبب أنانيتهم وكيف يريدون أن يخدموا مصالهم فقط، ولم يهتمون بمصالح الوطن. إذن، ما هو الحل لفشل الرجال العرب؟ يشير قباني إلي بطولة أطفال الحجارة كنموذج للوطن العربي. يصف قباني قدرة أطفال الحجارة بأن"ينفجروا ويستشهدوا" في سبيل الوطن.
إذن النقيض الشنيع بين أطفال الحجارة والرجال العرب يعرض لنا علاقة جدلية. برغم أن الكبار يعلمون الصغار عادة في الواقع، يقترح قباني أن يعلم الأطفال الأجيال الماضية. يكتب قبانى "علمونا بعض ما عندكم." هنا يشير الكاتب لضعف الرجال العرب وشجاعة أطفال فلسطين. يريد الكاتب أن يتذكر أطفال غزة بقية الشعب العربي كيف يحاربون للحرية. رسالة قباني هي أن ليس هناك أمل في الأجيال الماضية وأن النهضة الفلسطينية لتأمين الوطن ستكون من خلال أطفال الحجارة.
قصيدة الديك
في حارتنا
ديك سادي سفاح .
ينتف ريش دجاج الحارة ،
كل صباح .
ينقرهن .
يطاردهن .
يضاجعهن .
ويهجرهن .
ولا يتذكر أسماء الصيصان!!
2
في حارتنا ..
ديك يصرخ عند الفجر
كشمشون الجبار .
يطلق لحيته الحمراء
ويقمعنا ليلاًَ ونهاراً .
يخطب فينا ..
ينشد فينا ..
يزني فينا ..
فهو الواحد . وهو الخالد
وهو المقتدر الجبار .
3
في حارتنا ..
ثمة ديك عدواني ، فاشيستي ،
نازي الأفكار .
سرق السلطة بالدبابة ..
ألقى القبض على الحرية والأحرار .
ألغى وطناً .
ألغى شعباً .
ألغى لغة .
ألغى أحداث التاريخ ..
وألغى ميلاد الأطفال ..
و ألغى أسماء الأزهاء ..
في حارتنا ..
ديك يلبس في العيد القومي
لباس الجنرالات ..
يأكل جنساً ..
يشرب جنساً ..
يسكر جنساً..
يركب سفناًَ من أجساد
يهزم جيشاً من حلمات !!..
5
في حارتنا ..
ديك من أصل عربي
فتح الكون بآلاف الزوجات !!
6
في حارتنا ...
ثمة ديك أمي
يرأس إحدى الميليشيات ..
لم يتعلم ..
إلا الغزو .. و إلا الفتك ..
و إلا زرع حشيش الكيف ..
وتزوير العملات .
كان يبيع ثياب أبيه ..
ويرهن خاتمه الزوجي ..
ويسرق حتى أسنان الأموات ..
7
في حارتنا ..
ديك . كل مواهبه
أن يطلق نار مسدسه الحربي
على رأس الكلمات ..
8
في حارتنا ..
ديك عصبي مجنون .
يخطب يوماً كالحجاج ..
ويمشي زهواً كالمأمون ..
ويصرخ من مئذنة الجامع :
(( يا سبحاني .. يا سبحاني ..))
((فأنا الدولة ، والقانون ))!!.
9
كيف سيأتي الغيث إلينا ؟
كيف سينمو القمح ؟
وكيف يفيض علينا الخير ، وتغمرنا البركه ؟
هذا وطن لا يحكمه الله ..
ولكن .. تحكمه الديكه !!
10
في بلدتنا ..
يذهب ديك .. يأتي ديك ..
والطغيان هو الطغيان .
يسقط حكم لينيني ..
يهجم حكم أمريكي ..
والمسحوق هو الإنسان ..
11
حين يمر الديك بسوق القرية
مزهواً ، منفوش الريش ..
وعلى كتفيه تضيء نياشين التحرير
يصرخ كل دجاج القرية في إعجاب :
(( يا سيدنا الديك )) .
(( يا مولانا الديك )) .
(( يا جنرال الجنس .. ويا فحل الميدان .. )) .
(( أنت حبيب ملايين النسوان )) .
(( هل تحتاج إلى جارية ؟ )) .
(( هل تحتاج إلى خادمة ؟ )).
(( هل تحتاج إلى تدليلك ؟ )).
12
حين الحاكم سمع القصة ..
أصدر أمراً للسياف بذبح الديك .
قال بصوت الغاضب :
(( كيف تجرأ ديك من أولاد الحارة ))
(( أن ينتزع السلطة مني .. ))
(( كيف تجرأ هذا الديك )) ؟؟
(( وأنا الواحد دون شريك ))!!.
ديك سادي سفاح .
ينتف ريش دجاج الحارة ،
كل صباح .
ينقرهن .
يطاردهن .
يضاجعهن .
ويهجرهن .
ولا يتذكر أسماء الصيصان!!
2
في حارتنا ..
ديك يصرخ عند الفجر
كشمشون الجبار .
يطلق لحيته الحمراء
ويقمعنا ليلاًَ ونهاراً .
يخطب فينا ..
ينشد فينا ..
يزني فينا ..
فهو الواحد . وهو الخالد
وهو المقتدر الجبار .
3
في حارتنا ..
ثمة ديك عدواني ، فاشيستي ،
نازي الأفكار .
سرق السلطة بالدبابة ..
ألقى القبض على الحرية والأحرار .
ألغى وطناً .
ألغى شعباً .
ألغى لغة .
ألغى أحداث التاريخ ..
وألغى ميلاد الأطفال ..
و ألغى أسماء الأزهاء ..
في حارتنا ..
ديك يلبس في العيد القومي
لباس الجنرالات ..
يأكل جنساً ..
يشرب جنساً ..
يسكر جنساً..
يركب سفناًَ من أجساد
يهزم جيشاً من حلمات !!..
5
في حارتنا ..
ديك من أصل عربي
فتح الكون بآلاف الزوجات !!
6
في حارتنا ...
ثمة ديك أمي
يرأس إحدى الميليشيات ..
لم يتعلم ..
إلا الغزو .. و إلا الفتك ..
و إلا زرع حشيش الكيف ..
وتزوير العملات .
كان يبيع ثياب أبيه ..
ويرهن خاتمه الزوجي ..
ويسرق حتى أسنان الأموات ..
7
في حارتنا ..
ديك . كل مواهبه
أن يطلق نار مسدسه الحربي
على رأس الكلمات ..
8
في حارتنا ..
ديك عصبي مجنون .
يخطب يوماً كالحجاج ..
ويمشي زهواً كالمأمون ..
ويصرخ من مئذنة الجامع :
(( يا سبحاني .. يا سبحاني ..))
((فأنا الدولة ، والقانون ))!!.
9
كيف سيأتي الغيث إلينا ؟
كيف سينمو القمح ؟
وكيف يفيض علينا الخير ، وتغمرنا البركه ؟
هذا وطن لا يحكمه الله ..
ولكن .. تحكمه الديكه !!
10
في بلدتنا ..
يذهب ديك .. يأتي ديك ..
والطغيان هو الطغيان .
يسقط حكم لينيني ..
يهجم حكم أمريكي ..
والمسحوق هو الإنسان ..
11
حين يمر الديك بسوق القرية
مزهواً ، منفوش الريش ..
وعلى كتفيه تضيء نياشين التحرير
يصرخ كل دجاج القرية في إعجاب :
(( يا سيدنا الديك )) .
(( يا مولانا الديك )) .
(( يا جنرال الجنس .. ويا فحل الميدان .. )) .
(( أنت حبيب ملايين النسوان )) .
(( هل تحتاج إلى جارية ؟ )) .
(( هل تحتاج إلى خادمة ؟ )).
(( هل تحتاج إلى تدليلك ؟ )).
12
حين الحاكم سمع القصة ..
أصدر أمراً للسياف بذبح الديك .
قال بصوت الغاضب :
(( كيف تجرأ ديك من أولاد الحارة ))
(( أن ينتزع السلطة مني .. ))
(( كيف تجرأ هذا الديك )) ؟؟
(( وأنا الواحد دون شريك ))!!.
تحليلي عن قصيدة الديك
كتبت قصيدة "الديك" الساخرة على يد الشاعر الجبار نزار قباني لتنقد السلطات العربية الفاشلة . يصور قباني الطغاة العرب بصور قبيحة. على وجه التحديد، يتجسد الديك صورة الحاكم المهين. يقارن كاتب القصيدة معظم أفعال الديك المبتذلة بالإسلوب الإستغلالي الذي يعامل الزعيم العربي شعبه به. في هذا التحليل سأكتب ملخصا لقصيدة "الديك". ثم سأعبر عن رأيي في الإسلوب الشعري الذي يستخدمه قباني ليعرض لنا الزعماء العرب. على وجه التحديد، سأوافق مع قباني على معظم الصفات التي يعطيها للحكام العرب. في النهاية، سأعلق على الإسلوب الشعري الذي يستخدمة الكاتب في القصيدة.
يتناول الشاعر الجمهور العربي عندما يكتب "في حارتنا". إذن، يشير الكاتب إلى الوضع السياسي اليائس في العالم العربي. يستخدم قباني صور قبيحة مثل "ينقرهن، يطاردهن، يضاجعهن، ويهجرهن" ليصف معاملة الديك (أو الزعيم) نحو الشعب. علاوة على ذلك، عندما يكتب "ولا يتذكر أسماء الصيصان"، يقصد الكاتب أن الشعب ليس له قيمة من وجهة نظر الزعيم. نقطة ثانية مهمة هي معاملة الزعماء العرب كما لو إنهم آلهة. صفات مثل "الواحد، الخالد، المقتدر، والجبار" تشير إلى صفات الله. أيضا في الجزء الحادية عشر، نرى كيف تعامل الشعوب العربية قادتهم بطريقة ملكية. يكتب قباني، "يا سيدنا الديك"، "يا مولانا الديك". هذه السخرية تدل علي كيف "سرق الحاكم السلطة بالدبابة وألقى القبض على الحرية والأحرار". تعيش الشعوب العربية في حالة رعب لأن "الديك" الذي يحكمهم "عدواني، فاشيستي، نازي الأفكار."
في هذه الفقرة من التحليل سأعطي تعليقي على القصيدة. أنا موافق مع قباني على كثير من الصفات السلبية التي يصور الزعماء العرب بها، ولكن أنا لا أتفق بإسلوبة الازدرائي التى يصف به "الديك". على وجه التحديد، لم يعجبني كيف يندمج قباني السخرية السيساسية بالسخرية الشخصية. عندما ينتقد قباني الزعماء العرب، لماذا يجب عليه أن يناقش مواضيع مبتذلة مثل الجنس، خاصة أن هذا الموضوع محظور في المجتمع العربي؟ أظن أن قباني يشير إلى الزعماء العرب في القصيدة عندما يكتب، "ديك من أصل عربي." من الواضح، الكاتب يشير إلى الزعيم العراقي السابق صدام حسين. كدليل على ذلك، يقارن الشاعر الديك بالحجاج والمأمون، والأثنين من القادة العراقية السابقة. أعجبتني صفات عدم حرية التعبير، عندما يكتب الكاتب "يطلق نار مسدسه على رأس الكلمات،" لأنها تعكس الواقع في الوطن العربي. كنت أتمنى أن يفصل قباني إلى حد أكبر عن حقوق الإنسان لأنه يكتب فقط، "المسحوق هو الإنسان".
الشيء الغامض في القصيدة هو هوية "الحاكم" الذى "أصدر أمرا للسياف بذبح الديك." هل يشير قباني إلى أمريكا كالحاكم؟ ربما، لأن في الواقع، الأميركيون هم الذين أمروا بإعدام صدام. إذا كان هذا هو الحال، إذن شعر قباني خالد. بشكل عام، هذه قصيدة عظيمة لأنها تصور الوضع السياسي في العالم العربي تحت حجاب قصة الديك مثل أسطورة جورج أورويل العالمية "أنيمال فارم" (Animal Farm).
قصيدة الم
سقطتْ آخرُ جدرانِ الحياءْ
وفرحنا.. ورقصنا..
وتباركنا بتوقيعِ سلامِ الجبناءْ
لم يعد يرعبنا شيءٌ..
ولا يخجلنا شيءٌ
فقد يبستْ فينا عروقُ الكبرياءْ...
سقطتْ.. للمرةِ الخمسينِ عذريّتنا..
دونَ أن نهتزَّ.. أو نصرخَ..
أو يرعبنا مرأى الدماءْ..
ودخلنا في زمانِ الهرولهْ..
ووقفنا بالطوابيرِ، كأغنامٍ أمامَ المقصلهْ
وركضنا.. ولهثنا
وتسابقنا لتقبيلِ حذاءِ القتلهْ..
جوَّعوا أطفالنا خمسينَ عاماً
ورمَوا في آخرِ الصومِ إلينا..
بصلهْ...
سقطتْ غرناطةٌ
للمرّةِ الخمسينَ – من أيدي العربْ.
سقطَ التاريخُ من أيدي العربْ.
سقطتْ أعمدةُ الروحِ، وأفخاذُ القبيلهْ.
سقطتْ كلُّ مواويلِ البطولهْ.
سقطتْ إشبيليهْ..
سقطتْ أنطاكيهْ..
سقطتْ حطّينُ من غيرِ قتالٍ..
سقطتْ عموريَهْ..
سقطتْ مريمُ في أيدي الميليشياتِ
فما من رجلٍ ينقذُ الرمزَ السماويَّ
ولا ثمَّ رجولهْ..
سقطتْ آخرُ محظيّاتنا
في يدِ الرومِ، فعنْ ماذا ندافع؟
لم يعدْ في قصرِنا جاريةٌ واحدةٌ
تصنعُ القهوةَ.. والجنسَ..
فعن ماذا ندافعْ؟؟
لم يعدْ في يدنا أندلسٌ واحدةٌ نملكها..
سرقوا الأبوابَ، والحيطانَ، والزوجاتِ، والأولادَ،
والزيتونَ، والزيتَ، وأحجارَ الشوارعْ.
سرقوا عيسى بنَ مريمْ
وهوَ ما زالَ رضيعاً..
سرقوا ذاكرةَ الليمون..
والمشمشِ.. والنعناعِ منّا..
وقناديلَ الجوامعْ
تركوا علبةَ سردينٍ بأيدينا
تسمّى "غزّة"
عظمةً يابسةً تُدعى "أريحا"
فندقاً يدعى فلسطينَ..
بلا سقفٍ ولا أعمدةٍ..
تركونا جسداً دونَ عظامٍ
ويداً دونَ أصابعْ...
بعدَ هذا الغزلِ السريِّ في أوسلو
خرجنا عاقرينْ..
وهبونا وطناً أصغرَ من حبّةِ قمحٍ..
وطناً نبلعهُ من دون ماءٍ
كحبوبِ الأسبرينْ!!
لم يعدْ ثمةَ أطلالٌ لكي نبكي عليها.
كيفَ تبكي أمةٌ
سرقوا منها المدامعْ؟
بعدَ خمسينَ سنهْ..
نجلسُ الآنَ على الأرضِ الخرابْ..
ما لنا مأوى
كآلافِ الكلابْ!!
بعدَ خمسينَ سنهْ
ما وجدنا وطناً نسكنهُ إلا السرابْ..
ليسَ صُلحاً، ذلكَ الصلحُ الذي أُدخلَ كالخنجرِ فينا..
إنهُ فعلُ اغتصابْ!!..
ما تفيدُ الهرولهْ؟
ما تفيدُ الهرولهْ؟
عندما يبقى ضميرُ الشعبِ حياً
كفتيلِ القنبلهْ..
لن تساوي كلُّ توقيعاتِ أوسلو..
خردلهْ!!..
كم حلمنا بسلامٍ أخضرٍ..
وهلالٍ أبيضٍ..
وببحرٍ أزرقَ.. وقلوعٍ مرسلهْ..
ووجدنا فجأةً أنفسنا.. في مزبلهْ!!
من تُرى يسألهم عن سلامِ الجبناءْ؟
لا سلامِ الأقوياءِ القادرينْ.
من تُرى يسألهم عن سلامِ البيعِ بالتقسيطِ..؟
والتأجيرِ بالتقسيطِ.. والصفقاتِ..
والتجّارِ والمستثمرينْ؟
وتُرى يسألهم عن سلامِ الميتينْ؟
أسكتوا الشارعَ.. واغتالوا جميعَ الأسئلهْ..
وجميعَ السائلينْ...
... وتزوّجنا بلا حبٍّ..
من الأنثى التي ذاتَ يومٍ أكلتْ أولادنا..
مضغتْ أكبادنا..
وأخذناها إلى شهرِ العسلْ..
وسكِرنا ورقصنا..
واستعَدنا كلَّ ما نحفظُ من شعرِ الغزلْ..
ثمَّ أنجبنا، لسوءِ الحظِّ، أولاداً معاقينَ
لهم شكلُ الضفادعْ..
وتشرّدنا على أرصفةِ الحزنِ،
فلا من بلدٍ نحضنهُ..
أو من ولدْ!!
لم يكُن في العرسِ رقصٌ عربيٌّ
أو طعامٌ عربيٌّ
أو غناءٌ عربيٌّ
أو حياءٌ عربيٌّ
فلقد غابَ عن الزفّةِ أولادُ البلدْ..
كانَ نصفُ المهرِ بالدولارِ..
كانَ الخاتمُ الماسيُّ بالدولارِ..
كانتْ أجرةُ المأذونِ بالدولارِ..
والكعكةُ كانتْ هبةً من أمريكا..
وغطاءُ العرسِ، والأزهارُ، والشمعُ،
وموسيقى المارينزْ..
كلُّها قد صنعتْ في أمريكا!!
وانتهى العرسُ..
ولم تحضرْ فلسطينُ الفرحْ.
بلْ رأت صورتها مبثوثةً عبرَ كلِّ الأقنيهْ..
ورأتْ دمعتها تعبرُ أمواجَ المحيطْ..
نحوَ شيكاغو.. وجيرسي.. وميامي..
وهيَ مثلَ الطائرِ المذبوحِ تصرخْ:
ليسَ هذا العرسُ عرسي..
ليسَ هذا الثوبُ ثوبي..
ليسَ هذا العارُ عاري..
أبداً.. يا أمريكا..
أبداً.. يا أمريكا..
أبداً.. يا أمريكا..
تحليلي عن قصيدة المهرولونوفرحنا.. ورقصنا..
وتباركنا بتوقيعِ سلامِ الجبناءْ
لم يعد يرعبنا شيءٌ..
ولا يخجلنا شيءٌ
فقد يبستْ فينا عروقُ الكبرياءْ...
سقطتْ.. للمرةِ الخمسينِ عذريّتنا..
دونَ أن نهتزَّ.. أو نصرخَ..
أو يرعبنا مرأى الدماءْ..
ودخلنا في زمانِ الهرولهْ..
ووقفنا بالطوابيرِ، كأغنامٍ أمامَ المقصلهْ
وركضنا.. ولهثنا
وتسابقنا لتقبيلِ حذاءِ القتلهْ..
جوَّعوا أطفالنا خمسينَ عاماً
ورمَوا في آخرِ الصومِ إلينا..
بصلهْ...
سقطتْ غرناطةٌ
للمرّةِ الخمسينَ – من أيدي العربْ.
سقطَ التاريخُ من أيدي العربْ.
سقطتْ أعمدةُ الروحِ، وأفخاذُ القبيلهْ.
سقطتْ كلُّ مواويلِ البطولهْ.
سقطتْ إشبيليهْ..
سقطتْ أنطاكيهْ..
سقطتْ حطّينُ من غيرِ قتالٍ..
سقطتْ عموريَهْ..
سقطتْ مريمُ في أيدي الميليشياتِ
فما من رجلٍ ينقذُ الرمزَ السماويَّ
ولا ثمَّ رجولهْ..
سقطتْ آخرُ محظيّاتنا
في يدِ الرومِ، فعنْ ماذا ندافع؟
لم يعدْ في قصرِنا جاريةٌ واحدةٌ
تصنعُ القهوةَ.. والجنسَ..
فعن ماذا ندافعْ؟؟
لم يعدْ في يدنا أندلسٌ واحدةٌ نملكها..
سرقوا الأبوابَ، والحيطانَ، والزوجاتِ، والأولادَ،
والزيتونَ، والزيتَ، وأحجارَ الشوارعْ.
سرقوا عيسى بنَ مريمْ
وهوَ ما زالَ رضيعاً..
سرقوا ذاكرةَ الليمون..
والمشمشِ.. والنعناعِ منّا..
وقناديلَ الجوامعْ
تركوا علبةَ سردينٍ بأيدينا
تسمّى "غزّة"
عظمةً يابسةً تُدعى "أريحا"
فندقاً يدعى فلسطينَ..
بلا سقفٍ ولا أعمدةٍ..
تركونا جسداً دونَ عظامٍ
ويداً دونَ أصابعْ...
بعدَ هذا الغزلِ السريِّ في أوسلو
خرجنا عاقرينْ..
وهبونا وطناً أصغرَ من حبّةِ قمحٍ..
وطناً نبلعهُ من دون ماءٍ
كحبوبِ الأسبرينْ!!
لم يعدْ ثمةَ أطلالٌ لكي نبكي عليها.
كيفَ تبكي أمةٌ
سرقوا منها المدامعْ؟
بعدَ خمسينَ سنهْ..
نجلسُ الآنَ على الأرضِ الخرابْ..
ما لنا مأوى
كآلافِ الكلابْ!!
بعدَ خمسينَ سنهْ
ما وجدنا وطناً نسكنهُ إلا السرابْ..
ليسَ صُلحاً، ذلكَ الصلحُ الذي أُدخلَ كالخنجرِ فينا..
إنهُ فعلُ اغتصابْ!!..
ما تفيدُ الهرولهْ؟
ما تفيدُ الهرولهْ؟
عندما يبقى ضميرُ الشعبِ حياً
كفتيلِ القنبلهْ..
لن تساوي كلُّ توقيعاتِ أوسلو..
خردلهْ!!..
كم حلمنا بسلامٍ أخضرٍ..
وهلالٍ أبيضٍ..
وببحرٍ أزرقَ.. وقلوعٍ مرسلهْ..
ووجدنا فجأةً أنفسنا.. في مزبلهْ!!
من تُرى يسألهم عن سلامِ الجبناءْ؟
لا سلامِ الأقوياءِ القادرينْ.
من تُرى يسألهم عن سلامِ البيعِ بالتقسيطِ..؟
والتأجيرِ بالتقسيطِ.. والصفقاتِ..
والتجّارِ والمستثمرينْ؟
وتُرى يسألهم عن سلامِ الميتينْ؟
أسكتوا الشارعَ.. واغتالوا جميعَ الأسئلهْ..
وجميعَ السائلينْ...
... وتزوّجنا بلا حبٍّ..
من الأنثى التي ذاتَ يومٍ أكلتْ أولادنا..
مضغتْ أكبادنا..
وأخذناها إلى شهرِ العسلْ..
وسكِرنا ورقصنا..
واستعَدنا كلَّ ما نحفظُ من شعرِ الغزلْ..
ثمَّ أنجبنا، لسوءِ الحظِّ، أولاداً معاقينَ
لهم شكلُ الضفادعْ..
وتشرّدنا على أرصفةِ الحزنِ،
فلا من بلدٍ نحضنهُ..
أو من ولدْ!!
لم يكُن في العرسِ رقصٌ عربيٌّ
أو طعامٌ عربيٌّ
أو غناءٌ عربيٌّ
أو حياءٌ عربيٌّ
فلقد غابَ عن الزفّةِ أولادُ البلدْ..
كانَ نصفُ المهرِ بالدولارِ..
كانَ الخاتمُ الماسيُّ بالدولارِ..
كانتْ أجرةُ المأذونِ بالدولارِ..
والكعكةُ كانتْ هبةً من أمريكا..
وغطاءُ العرسِ، والأزهارُ، والشمعُ،
وموسيقى المارينزْ..
كلُّها قد صنعتْ في أمريكا!!
وانتهى العرسُ..
ولم تحضرْ فلسطينُ الفرحْ.
بلْ رأت صورتها مبثوثةً عبرَ كلِّ الأقنيهْ..
ورأتْ دمعتها تعبرُ أمواجَ المحيطْ..
نحوَ شيكاغو.. وجيرسي.. وميامي..
وهيَ مثلَ الطائرِ المذبوحِ تصرخْ:
ليسَ هذا العرسُ عرسي..
ليسَ هذا الثوبُ ثوبي..
ليسَ هذا العارُ عاري..
أبداً.. يا أمريكا..
أبداً.. يا أمريكا..
أبداً.. يا أمريكا..
يستغرق نزار قباني في الذكريات الحزينة عن اضمحلال الحضارة العربية على مر الزمن. إذن، يقارن الشاعر إنجازات العرب في العصر الذهبي مع فشلهم في القرون الحديثه. يلوم الكاتب "المهرولون" بسبب مأساة العرب. كالعاده، يكتب قباني بإسلوبه الساخر عندما يحكي عن فشل القيادة العربية وكيف قبلت أشياء تافهة في مقابل أرض فلسطين وحرية الشعوب العربية. سياق القصيدة عن السلام الظالم بين فلسطين وإسرائيل ولكن يشير الكاتب إلى أحداث تاريخية أخرى ليوضح للقارئ كيف فشل العرب. في هذا التحليل، سأكتب عن المواضيع والتقنيات الأدبية التي يستخدمها الكاتب ليصور الوضع اليائس في العالم العربي وعلاقاته السياسة مع أمريكا وإسرائيل.
عندمى يشير إلى الماضي، يسخر قباني من العرب الذين هرولوا لتوقيع إتفاقات أوسلو مع الإسرائيليين. يصف توقيع السلام بين الجانبين "كسلام الجبناء". علاوة على ذلك، يسخر الشاعر من رد فعل العرب للهزيمة ضد إسرائيل عندما يكتب إننا "فرحنا ورقصنا." إذن، أصبح العرب مشلولين للإغتصاب الإسرائيلي. كدليل عن هذا الإغتصاب، يكتب الشاعر:"سقطت للمرة الخمسين عذريتنا دون أن نهتز أو نصرخ." يشير قباني لخمسين سنة ليتذكر النكبة الفلسطينية. والآن أصبحنا عبيدا للعدو لأننا "تسابقنا لتقبيل حذاء القتلة." إذن، خان العرب نجاح العرب القدماء.
يقارن قباني إنجازات الرعب في الماضي لفشل العرب الأن. يكتب "سقطت غرناطة وإشبيلية وأنطاكية وعمورية" من أيدي العرب. هذه المدن ترمز إلى مجد العرب الماضي. يلوم الكاتب جبن الرجال العرب عندما يسأل "فما من رجل ينقذ الرمز السماوي، ولا ثم رجولة." هذه نفس الفكرة في قصيدة "إلى أطفال الحجارة" عندما ينتقد قباني الرجال العرب لعدم شجاعتهم. يشير الكاتب مباشرة لرموز في الثقافة العربية ليعرض كيف فشل العرب. المرأة في الثقافة العربية شيء مهم جدا؛ إذن، عندما يكتب "لم يعد في قصرنا جارية واحدة تصنع القهوة والجنس فعن ماذا ندافع"، يشير قباني لسقوط شرف العرب لأنهم فشلوا أن يدافعوا عن نسائهم وعن أراضيهم.
ينهي قباني القصيدة بتعبير عن معارضة فلسطين ضد الجواز الغير شرعي بينها وبين إسرائيل. يصف إتفاقات أوسلو "كزواج بلا حب." على وجه التحديد، تزوج العرب عدوهم الذي حتى الآن يقتل العرب في فلسطين. عندما يكتب "ثم أنجبنا، لسوء الحظ، أولادا معاقين لهم شكل الضفادع،" يقصد الشاعر بأن السلام بين العرب والإسرائيلين شاذ وغير صحي. سبب هذا السلام الشاذ هو غياب الشعب العربي من إجراءات السلام: "لم يكن في العرس رقص عربي أو طعام عربي أو غناء عربي أو حياء عربي فلقد غاب من الزفة أولاد البلد." غياب الشعب الفلسطيني يدل على عدم الديمقراطية عند الشعوب العربية. في النهاية يشبه الكاتب فلسطين بالطائر المذبوح.
من وجهة نظري، قباني دائما ينتقد العرب ولم يشاهد إنجازاتهم في القرون الحديثة. لماذا لم يثني إنجازات العرب في القرن الماضي؟ خلال القرن الحادي وعشرين، ثار معظم الدول العربية ضد الإستعمار الغربي. من الناحية الإقتصادية، يوجد إنشاء الصناعة على مستوى حديث في مجالات مختلفة في الدول العربية. نعم، فشل العرب في بحثهم عن حل للقضية الفلسطينية ولكن حتى الآن، يقاوم الفلسطينيون للدفاع عن أراضيهم وحقوقهم. إذن، ينجح الشاعر في تعبيره عن الحال الصعب في العالم العربي. علاوة على ذلك، عدم الديمقراطية والفساد في النظام السياسي في العالم العربي أساس فشل العرب. أختم التحليل بقول أن قباني من أحسن الشعراء في العالم العربي الذي يعبر نيابة عن الشعب الفلسطيني والعربي.
No comments:
Post a Comment