الناس فى بلادى ـــ صلاح عبد الصبور
الناس فى بلادى جارحون كالصقور
غناؤهم كرجفة الشتاء فى ذؤابة الشجر
وضخكهم يئز كاللهيب فى الحطب
خطاهمو تريد أن تسوخ فى التراب
ويقتلون، يسرقون، يشربون، يجشأون
لكنهم بشر
وطيبون حين يملكون قبضتى نقود
ومؤمنون بالقدر
وعند باب قريتى يجلس عمى "مصطفى"
وهو يحب المصطفى
وهو يقضّى ساعة بين الأصيل والمساء
وحوله الرجال واجمون
يحكى لهم حكاية.. تجربة الحياة
حكاية تثير فى النفوس لوعة العدم
وتجعل الرجال ينشجون
ويطرقون
يحدقون فى السكون
فى لجة الرعب العميق، والفراغ، والسكون
" ما غاية الإنسان من أتعابه، ما غاية الحياة؟
يا أيها الإله!!
الشمس مجتلاك ، والهلاك مفرق الجبين
وهذه الجبال الراسيات عرشك المكين
وأنت نافذ القضاء أيها الإله
بنى فلان ، واعتلى ، وشيد القلاع
وأربعون غرفة قد ملئت بالذهب اللماع
وفى مساء واهن الأصداء جاءه عزرئيل
يحمل بين إصبعيه دفترا صعير
ومد عزرئيل عصاه
بسر حرفى "كن" ، بسر لفظ "كان"
وفى الجحيم دُحرجت روح فلان
(أيها الإله ...
كم أنت قاس ٍِ موحش أيها الإله).
بالأمس زرت قريتى ، قد مات عمى مصطفى
ووسدوه فى التراب
لم يبتن القلاع (كان كوخه من اللبن)
وسار خلف نعشه القديم
من يملكون مثله جلباب كتان قديم
لم يذكروا الإله أو عزريل أو حروف (كان)
فالعام عام جوع
وعند باب القبرقام صاحبى خليل
حفيد عمى مصطفى
وحين مد للسماء زنده المفتول
ماجت على عينيه نظرة احتقار
فالعام عام جوع
تعليقي عن القصيدة
من أهم أسباب نجاح أي كاتب، إستخدام مواضيع و رموز الإنسانية تجعل إسلوب الكاتب عالمي. على سبيل المثال، نجيب محفوظ من أشهر الكتاب العرب حول العالم، وخصوصا في الأوساط الأدبية الغربية، لأن تطبق مواضيع قصصه على "التجربه الإنسانية." يكتب محفوظ عن مشاعر إنسانية عامة يستطيع كل إنسان من كل جنسية أن يشعر بها. يكتب صلاح عبد الصبور قصيدة "الناس في بلادي" بنفس الأسلوب. التشابه بين محفوظ وعبد الصبور والكتاب العظماء هو أنهم يستخدمون العالمية كتقنية أدبية في كتابتهم. في هذا التحليل، سأكتب عن نجاح عبد الصبور أن ينقل لنا قصة القروي مصطفى ليعبر عن مشاعر إنسانية عالمية.
باختصار، التجربة الإنسانية تبدأ بولادة الإنسان في هذه الدنيا. في وسط رحلة الحياة، يصبح الإنسان متحير عن وجوده. في هذه المرحلة في الحياة، يبحث الإنسان عن أجوبة أسرار العالم من خلال الدين والفلسفة. في نهاية الرحلة، يموت كل إنسان. يكتب عبد الصبور عن دورية الحياة بترتيب زمني عندما يكتب القصيدة.
في أول جزء من القصيدة، يكتب الشاعر عن الشعب المصري بشكل عام. يصف الشعب بصفات مثل "جارحون وطيبون." علاوة على ذلك، سلوكهم تجعلهم أن "يقتلون، يسرقون، يشربون، يجشأون" مثل البشر في أي ركن من أركان العالم. يستخدم الكاتب تقنية التشبيه عندما يصف "غناؤهم كرجفة الشتاء في ذؤابة الشجر" وكيف "ضحكهم يئز كاللهيب في الحطب." هذه الأوصاف لم تشير للشعب المصري فقط بل للبشر حول العالم كذلك. إذن الكاتب يكتب ببراعة عن الحالة الإنسانية.
بقية القصيدة تتحدث عن شخص خيالي اسمه مصطفي. يعطي عبد الصبور هذا الاسم لبطل القصيدة من أجل إيقاع القصيدة لأن "عند باب قريتي يجلس عمي مصطفى وهو يحب المصطفى." علاوة على ذلك، الاسم مصطفى له دلالة دينية. مثل النبي، يقود مصطفى مجموعة من القرويين عندما يناقشون مواضيع مختلفه عن تجربة الحياة. تأثير المناقشة يجعل بكاء الرجال. يصف الشاعر فكرة الموت بمشاعر مثل: "رعب عميق، والفراغ، والسكون." هذه مشاعر تدل على رد فعل كل إنسان عندما يفكر بالموت. إذن، تصل الشخصيات إلى أهم سؤال في تاريخ الفلسفه وهو "ما غاية الحياة؟"
يستخدم عبد الصبور آيات دينية مختلفة في القصيدة. عندما يستخدم رموز الشمس والهلال والجبال، يشير عبد الصبور إلى رموز إسلامية تدل على وجود وعظمة الله. لذلك، القدرية موضوع مهم للبشر. يعطي مصطفى نموذج عن كيف ثروة الإنسان لا تفيدة في الأخرة. يقول مصطفى، "فلان، واعتلى، وشيد القلاع وأربعون غرفة قد ملئت بالذهب اللماع...ومد عزريل عصاه بسر حرفى <<كن>> بسر لفظ <<كان>>." هذه إشارة إلى كيف الأخرة مرحلة مختلفة تماما عن هذة الدنيا. يعبر مصطفى عن رعبه عندما يقول، "يا أيها الإله كم أنت قاس موحش يا أيها الإله!"
تنتهي القصيدة بموت مصطفى. عندما يضع موت البطل في نهاية القصيدة، يعمم الشاعر كيف كل رحلة حياة تنتهي بنفس الصيغة. عندما يموت محبوب في أي مكان، تشعر عائلته "بالإحتقار." الموت يجعل الناس يشكون في رحمة إلههم. يعطي الكاتب مثالا من ذلك عندما يصف مشاعر خليل حفيد مصطفى "حين مد للسماء زنده المفتول ماجت على عينيه نظرة أحتقار." إذن، تظهر لنا القصيدة مشاعر البشر في المراحل المختلفة في حياة الإنسان. أتفق مع معظم وجهات نظر عبد الصبور، ولكن أعتقد أن الإيمان والتسليم للقدر يجعل الإنسان يقبل كل شيء من الله، حتى الموت.
بإخلاص،
No comments:
Post a Comment